14 كانون الاول 2018
صورة : ديوان المحاسبة ، شارع كامبون ، باريس ، 1 كانون الاول 2018 ، إيناس زردان
نحن الذين شهدنا الثورة السورية، على أرض الواقع وفي المنفى، يسعدنا أن نشارك في انتفاضة الشعب الفرنسي. استرعى انتباهنا هذه الأيام الأخيرة "الإجراءات الأمنية" و "الحفاظ على النظام" التي تمارس ضد السترات الصفراء في بلد مسماة ببلاد "حقوق الإنسان". نحن لم ننخدع بالواجهة الديمقراطية للجمهورية الفرنسية... اليوم يمكننا أن نقول أن الدولة الفرنسية نفسها هي التي تحطم هذه الواجهة.
العديد من الأحداث هذه الأيام الأخيرة تعيدنا إلى ما عايشناه خلال اندلاع الثورة السورية : العدد الهائل من الاعتقالات والأحكام الصادرة عقب محاكمات فورية والتي تستهدف أشخاصًا معينين بسبب قناعاتهم السياسية دون وجود أي دليل على ارتكابهم لأي جريمة،و نضيف إلى ذلك الدعوات المطالبة بتدخل الجيش والاعتقالات الوقائية وفيديوهات القمع البوليسي في كل أنحاء فرنسا، وأخيرا الدعاية الحكومية والإعلامية ومحاولاتها السخيفة لتهدئة الوضع.
بالطبع لا يشبه عنف قوات حفظ النظام الفرنسية بأي شكل من الأشكال الذخيرة الحية المستخدمة من قبل النظام السوري. ومع ذلك، لا شك أن عدم استخدام الرصاص الحي نابع من الحذر وليس من نقص الرغبة في تكثيف الإجراءات المستخدمة ضد السترات الصفر. رغم هذا الحذر، يدل استخدام الدولة الفرنسية للعنف وتكثيفها للإجراءات الأمنية على تمسكها بالسلطة ورغبتها بالحفاظ عليها بأي ثمن وهو ما نراه من خلال تصريحات وسلوك الرئيس والشرطة ووسائل الإعلام.
أصابنا مشهد حملة اعتقال الطلبة في مانت لا جولي بالقشعريرة. يذكرنا هذا المشهد، كسوريين، بطلبة مدينة درعا الذين تم توقيفهم في عام 2011 بسبب عبارات كتبت على جدران مدرستهم ("جاييك الدور يا دكتور" و "حرية") و حيث تم اقتلاع أظافر البعض منهم. على الرغم من اختلاف المشهدان في مستوى العنف، إلا أنهما يدلان على ذات القدرة لدى الحكومات فاقدة الشرعية على إذلال من يزعزع استقرارها. بدأت الثورة في سوريا فعلياً بعد رفض رئيس بلدية درعا بالإفراج عن الأطفال المعتقلين وبعد أن رد على أهاليهم بالتالي : "انسوا أمر أطفالكم، ستنجب لكم زوجاتكم أطفال أخرين. إذا لم تستطيعوا فعل ذلك، احضروا لنا نسائكم ونحن سنتولى الأمر."
لنعد بالزمن إلى الأول من أيار في ساحة كونتراسكارب الباريسية, سنلاحظ أن هنالك الكثير من Benalla لدينا في سوريا... نلقبهم بالشبيحة وهم ميليشيات النظام، كما ال BAC ، باستثناء أنهم لا ينتموا للجيش ولا للشرطة ، بل هم عبارة عن عصابات ترتدي زي مدني. بالإضافة إلى عمليات النهب والمصادرة التي شجعها النظام السوري سابقًا، فقد كان الشبيحة مسؤولين بشكل رئيسي خلال الثورة عن ضرب المتظاهرين وتعذيبهم وقتلهم، سواء كانوا مسلحين أو غير مسلحين.
أصبح التشبيح في الواقع وسيلة لتطبيع عنف النظام ووضعه تحت مسمى الوطنية. يستخدم كأداة خطابية ومادية امتدت تدريجياً لتعني أشخاص ليسوا على صلة بالحكومة، ولكنهم مع ذلك مصممون على الدفاع عن النظام حتى النهاية. ما قيل في الفيديو الذي سمعناه خلال اعتقال طلبة مانت لا جولي (لا نعلم إن كان الشخص وراء الكاميرا شرطياً أو مدنياً ؟) : " هذا صف عاقل" ، هو مثال على التشبيح بامتياز وهو نوع من أنواع السادية.
القمع لا يتجلى بنفس الطريقة هنا في فرنسا - فهناك عدة طرق للسيطرة على الشعوب. بما يخص فرنسا في الوقت الحالي، فإن الفتات الذي وافق النظام التنازل عنها ,على مضض, ليست سوى ذرائع عامة لتبرير الضربات التي وجهت إلى أولئك الذين ما زالوا يملأون الشوارع ويرفضون العودة إلى بيوتهم.
قبل بضع سنوات، تم تهنئة الشعوب العربية على ثوراتهم. كان الربيع العربي مفاجأة جميلة لأن هذه الشعوب لم تعد تقبل بالخضوع لقيود الديكتاتورية. أما بالنسبة للشعب الفرنسي الذي يفترض أنه يتمتع بحرية التعبير والتجمع والتصويت في انتخابات "حرة" (على الرغم من أنها تنظم وتمول من قبل الأغنياء ووسائل إعلامهم)، فإن انتفاضتهم، حسب ما يقول الخبراء والمختصون، فهي من أجل "قضايا اجتماعية". علينا أن ننوه، ردا عليهم، أن الناس في سوريا لم ينتفضوا فقط من أجل استخدام بطاقاتهم الانتخابية أو كتابة مقالات رأي في الصحف. الأمر يتعلق بالكرامة وهذا ما دفعنا للانتفاضة على الديكتاتورية في سوريا. اليوم في فرنسا، نخالط متظاهرين يقاتلون من أجل توزيع أفضل للثروات وضد استغلال أقلية ثرية للسلطة. لا يمكننا أن نبقى حياديين. يجب الحصول على كرامتنا هنا كما هناك و في أي مكان آخر.
يتحدث الكثيرون عن عنف السترات الصفراء... ما نراه نحن هو "عنف" ضد أشياء مادية كواجهات متاجر فاخرة وبنوك وأشياء معبرة عن الثروة ولكنها في النهاية أشياء من دون أهمية. بينما عنف قوات الأمن من ناحية أخرى،هو عنف مادي وملموس ضد أجساد بشرية. ما هو المنطق الذي يقبل تعريض حياة الناس للخطر من أجل الدفاع عن واجهة متجر فاخر؟ كذلك نستنتج أن الدولة تشكل آلة قتل في كل مكان وليس فقط في بلدان مثل سورية.
هناك العديد من المفردات المستخدمة من قبل الحكومة ووسائل الإعلام التي تبدو مألوفة جدا لنا. لديكم "المشاغبون" و "المكسرون" و "المخربون" و لدينا "الجراثيم" و "المتسللين" و "العملاء الخارجيين"... لقد ألف النظام السوري معجمًا كاملاً. ومع ذلك، فإن محاولة التخلص من الغضب والاحتجاجات الشعبية عن طريق تغطيتها بكلمات رنانة و نسبها للغرباء وبالتالي للمتطرفين - يوضح لنا أن خطر فقد شرعية السلطة بشكل عام يدفع الحكومات لتبني نفس اللغة الخطابية. يجب أن لا ندعهم يشتتوننا أبدًا.
هناك العديد من المفردات المستخدمة من قبل الحكومة ووسائل الإعلام التي تبدو مألوفة جدا لنا. لديكم "المشاغبون" و "المكسرون" و "المخربون" و لدينا "الجراثيم" و "المتسللين" و "العملاء الخارجيين"... لقد ألف النظام السوري معجمًا كاملاً. ومع ذلك، فإن محاولة التخلص من الغضب والاحتجاجات الشعبية عن طريق تغطيتها بكلمات زائفة و نسبها للغرباء وبالتالي للمتطرفين يوضح لنا أن خطر فقد شرعية السلطة بشكل عام يدفع الحكومات لتبني نفس اللغة الخطابية. يجب أن لا ندعهم يشتتوننا أبدًا.
لقد سمعنا خطاب ماكرون بما يخص الهجرة والعنصرية. رده على "أزمة الضرائب والتمثيل" بتفسيرات مثل "عدم الارتياح في مواجهة التغيرات في مجتمعنا، العلمانية المعطلة وأنماط الحياة التي تخلق الحواجز و المسافة" هو أمر خطير جدا. هذا الخطاب لا يختلف عن خطاب لوبن وغيرها، إنه ليس بالجديد، ويترجم في سياسات ملموسة ومنهجية ؛ كالسجن والإذلال وترحيل الغرباء و"غير القانونيين". بالنسبة لأولئك الذين يترددون في الانضمام إلى السترات الصفراء خوفا من آراء أو ممارسات عنصرية، هناك شيء واحد مؤكد : أولاً وقبل كل شيء علينا أن نحارب الحكومة العنصرية.
أما بالنسبة للتعليقات المعادية للمهاجرين من قبل بعض السترات الصفراء، فالمعركة مختلفة. في الدوارت والساحات المحتلة يوجد مكونات ثقافية واجتماعية مختلفة تعزز من فرص الحوار والتفاهم بعيدًا عن الأفواه المؤسساتية والحكومية التي تشكل بحد ذاتها الحواجز الحقيقية. الأمر الذي يجب أن يكون واضحًا هو أن من يحرم الفرنسيين من حياة كريمة ليسوا المهاجرين ولا المنفيين، بل احتكار الثروة من قبل عشيرة صغيرة.
لهذا ندعو المنفيين واللاجئين في فرنسا إلى التظاهر وامتلاك الشجاعة لفرض وجودهم وإلى أن لا يشعروا أبدًا بأنهم مدينون لدولة استعمارية تمنحنا استعطافا حق العيش. لم يعد هناك بعد الآن أشخاص غير معنيين.
نحن لا نريد المقارنة بين فرنسا وسوريا. ومع ذلك، بدا من المهم بالنسبة لنا إظهار بعض أوجه الشبه والتقاطعات المحتملة. يجب علينا أن نغذي التبادلات الثورية التي تتجاوز التضامن الأحادي (غالبًا ما يكون التضامن برجوازي أبيض إنساني وخيري). من جانبنا، اخترنا أن نساهم ببناء مساحة لمشاركة حقيقية للأدوات والأفكار واالخبرات. نريد أن نقول للشعب الفرنسي ما كنا نود أن نسمعه مطولاً في السنوات الأخيرة : أن نضالنا مشترك.
لا يمكن تجزئة الرغبة في دحر السلطة أو حصر رغبة العدالة والحرية على مستوى وطني : لا يمكن للمرء أن يكون مع الثورة في سوريا بينما يقف إلى جانب ماكرون. مواجهته ومحاربة عالمه هو بالنسبة لنا خطوة نحو إنهاء الأسد وجحيمه.
لا يزال الوقت مبكرًا للعودة إلى البيت، لكن لم يفت الأوان بعد للخروج.الوقت دائما مناسب للتخلص من بعض الرؤوس. على أي حال، لن تكون الأمور كما كانت. لم يعد الناس يريدون عالمًا فاسدًا. لكن الإطاحة بالأنظمة لن تكون كافية، لها تتمة علينا و فيها أن نكسب معاركنا ... ما سيرضينا هو سقوط نظام كامل يولد العديد من أمثال ماكرون والأسد.
إلى اللقاء
ثوار سوريون وسوريات في المنفى